آخــــــر مــا حــــــرر

الثورة السورية أمرها عجيب.. وسرها غريب..



الثورة السورية أمرها عجيب.. وسرها غريب.. أثبتت للعالم كله أنها ثورة نظيفة نقية.. لكنهم يصرون على جعلها شيطانية.. فالثورة لا علاقة لها بالجريمة والخراب والدمار والإرهاب القاعدي.. فكل هذا الشر هو من تدبير الأعداء الذين يريدون عزل الثورة ومحاصرتها.. ولكن هيهات فكل من أساء للثورة النقية قد وقع في شر أعماله وانفضح أمره وخسر عوامل قوته وعاد خائبا مدحوراً.
ما أعظمها من ثورة دافعت عن الأمة كلها، صانعة خط دفاع أول بوجه أعداء الأمة الحقيقيين «إيران وروسيا».. تتلقى بصدور أطفالها نار الحقد الطائفي.. لينعم أطفال الأمة برغد العيش وطيب الحياة.. فعلى الجميع أن ينخرطوا مع الشعب السوري ويلتحقوا بقافلة الشرف لأن التاريخ يسجل.. ومن العار أن يسجل التاريخ أن شعب سورية خاض ملحمة الكرامة والتاريخ وحده.. ومن المخزي أن يقف السوريون في مواجهة المشروعين الروسي والإيراني ثم يأتي من يتسلل ليلاً أو نهاراً إلى ألد أعداء «أطفال سوريا» ليعقد معهم صفقات مشبوهة خيانية.
في جميع أنحاء العالم «الوقت» يعني للناس مزيداً من الإنتاج والإنجاز والتقدم والتطور.. إلا في سورية.. فالشعب السوري يكابد نظاماً مجرماً متخلفاً، أعاق حركة الحياة ونشر التخلف والجريمة  في كل مكان.. ففي سورية الوقت من دم.. فلنحرق الوقت قبل أن يحرقنا، ولنسابق الزمن قبل أن يسبقنا.. فالواقعون تحت النار وفي قلب الدمار هم أهلنا وأبناء بلدنا.. وقاتلهم المجرم هو المحتل الغريب.. غريب القلب والفؤاد.. أجنبي الطباع والمزاج.
ثورة الكرامة السورية هي ثورة الفرصة الأخيرة والوقت الضائع.. الفرصة التي لا تعوض.. فليست كل الأجيال قادرة على صناعة البراكين ومختصة بإنتاج الزلازل تحت عروش الطغاة المستبدين.. فالجيل الذي فجر الثورة من الصعب أن يتكرر لأنه جيل المبادرة الطموحة والخطوة الاستثنائية.
بعد أن بادر الشعب السوري المقدام بثورة الكرامة والتاريخ فماذا عساه ينتظر؟.. ما نأمله هو أن يكشف سكون العاصفة عن وطن حر جميل.. تزول منه ثقافة التعبيد والتمسح بالطواغيت والذوبان بالأشخاص.. وتزيّنه ثقافة الحق والحرية والعدالة.. فتنبعث العقول من جديد ومعها الضمائر والأرواح من قبور الذل والهوان.
لعل الذين ناديناهم بعالي الصوت ليبادروا للعمل الثوري لا يستحقون ذلك الشرف الرفيع.. فليناموا على وسادة الخنوع وليركنوا إلى تبلّد الضمير وتجلّد الإحساس.. فلله مشيئة في أن ينصر الثورة المباركة بتلك الضمائر الحية التي تعمل دائبة من غير كلل أو ملل.
من العوائق التي تواجه الثوار حاجتهم إلى أن يحملوا على كواهلهم أعباء المعارضة الهزيلة.. المنشغلة بمصالحها الشخصية والحزبية.. معارضة توصف بالبهاتة والتبعية والأنانية المفرطة بل والتآمر.. فالواقع شيء وقراءة المعارضة له شيء آخر.. وربما تجد الرؤية أكثر وضوحا في القاعدة الجماهيرية  للشعب السوري الثائر.. والتضحيات حكر على الشعب الكريم.. مما يؤكد أن هذه الثورة هي ثورة شعب لا ثورة نخب وأحزاب.
فعل النظام المستحيل لتشويه معنى الحرية.. وقد قامت الثورة ابتداء من أجل إنهاء العبودية وإحلال الحرية.. فأقسم بشار الأسد وحلفاؤه على جعل الناس يكفرون بالحرية.. ويكفّرون من دعا إلى الحرية.. ولا يترحمون على الشهداء الذين سقطوا في أول الثورة من الذين نادوا بالحرية.. الذين استشهدوا قبل أن تصبح الحرية «إحدى المكفرات» في نظر المتطرفين الذين أنتجتهم مصانع هم الأسد.
إن كمية النار التي فتحت في وجه الشعب السوري الثائر تعادل نيران حرب عالمية.. وكمية البارود تكفي لتدمير دول بأسرها.. وقد رأينا ثورات تخرج في العالم ثم سرعان ما ترجع إلى بيوتها هربا من بعض الغازات المسيلة للدموع.. وأخرى يندثر ذكرها أمام طلقات مطاطية أو مفرقعات صوتية.. لكن العالم كله يرى شعبا استثنائيا تمطره النار ويضربه الحديد وتلفحه الكيمياء وتصعقه الكهرباء ثم يبقى مصرًا على خياراته المشرفة في ثورة لا مثيل لها في التاريخ.
ليس كثيرا على ثورتنا وصفها بأم الثورات؟ فماذا نقول عن ثورة صمدت أمام كل أنواع القمع الرهيب من براميل الموت والغاز القاتل وكل أنواع النار الملوَّن؟ ماذا نقول عن ثورة تواجه كل قوى الظلام الطائفية الحاقدة.. وقوى التطرف المتشددة؟ ثم تمضي في دربها كالسيل الهادر باتجاه واحد.

ليست هناك تعليقات