آخــــــر مــا حــــــرر

المستقلون الأحرار بين فريقين: الفرديين والحزبيين




لقد أتاحت الظروف الاستثنائية في «الثورة السورية» لكل جهة منخرطة في الثورة أن تسوِّق بضاعتها وتروِّج لمنتجاتها، لكننا سنميز بين حالات ثلاث، تنعقد بينها مقارنات ومقاربات هامة.
♦ الحالة الأولى هي حالة الأحزاب والحزبيين: ولقد كان من أهم نقاط ضعف الثورة السورية إقحام الأحزاب السياسية في الثورة السورية.. لماذا؟. لأن أداء الشخص الحزبي هو محل تنازع بين مصلحة الحزب ومصلحة «ثورة الشعب».. وكل المفردات سيكون لها تعريف حزبوي ضيق مختلف تماماً عن التعريفات الثورية كـ «الفكر والمال والرؤى السياسية والقرارات والمواقف...»...
وغالباً ما يحرص المتحزب على الرفع من شأن حزبه وتسويق بضاعته الحزبية أكثر من حرصه على مصالح الشعب.. وقد يتجاوز المتحزبون مصالح الشعب بالمطلق في مواسم «البازارات السياسية».. كان على النخب أن تنخرط في الثورة السورية كمستقلين أحرار.. ويزاولوا العمل الثوري بعد تجميد الحالة الحزبية..
♦ الحالة الثانية هي الحالة الفردية: وتتمثل بنزوع الفرد المعارض أو الثائر إلى تسويق نفسه على حساب ثورته، متخذاً من الثورة مطيةً لتحقيق أهدافه الخاصة ومصالحه الشخصية.. وفي أحسن الأحوال قد يزاول عمله الثوري، لكنه لا يقبل أن ينتمي إلى أي فريق أو تجمع، وكأنه هو الذي يجب أن يذيع «بيان النصر».. من حيث يعمل، فلا يشارك أحداً معلوماته، ولا يقدم لأحد وثائقه، تلك التي اختلسها من هنا وهناك، وربما يحدث نفسه أحياناً بمقولة «هزيمة على يدي خير من انتصار على يد غيري»، بل ويتمنى أن تخيب توقعات الآخرين حتى لو كانت خيراً، متمنياً- في الوقت ذاته أن تصيب توقعاته ولو كانت شراً.
فهم البعض معنى الاستقلالية بشكل خاطئ فنسمع أحدهم يقول: أنا مستقل، لا أعمل مع أحد ولا أنتمي لأي تجمع، مفتخراً بذلك.. وهو لا يعلم بأنه يصف الحالة الفردية الأنانية، ولا يتحدث عن الاستقلالية بالمعنى الإيجابي الجميل، فالاستقلالية لا تعني العمل منفردين بعيداً عن إطار الجماعة وروح الفريق..
♦ الحالة الثالثة وهي حالة المستقلين الأحرار: وهنا لا بد من تحديد هذا المعنى بدقة لأن هذه الحالة هي الحالة الصحية وسواها مرض ووباء.. فالمستقل هو الذي نأى بنفسه عن النزوع الفردي والجنوح الحزبي والعمالة للدول، وانطلق يعمل لمصلحة الوطن والشعب لا لشيء آخر، وهذا لا يعني بالضرورة أنه يقاطع الأحزاب والدول والأعيان مطلقاً، لكنه يتعامل معها واضعاً نصب عينيه قضية شعبه ووطنه في المقام الأعلى، كما أنه لا يقبل العمل منفرداً ذاتياً، لأنه يعلم أن المجهود الجماعي يتضاعف «باضطراد»، في الوقت الذي يتلاشى فيه مجهود الفرد كما يحدث لبخَّات من الماء حين تلقى على التنور.. وكذلك مجهود الحزب يبتلعه الحزب محتكراً عائداته لرفع قيمة الحزب لا لخدمة الصالح العام.
ومن هنا كان يتحتم على كل معارض ثوري أن يتكتل مع أصحابه ويتجمع مع أشباهه في ورشات عمل ثوري صغيرة أو كبيرة، ليؤدي الدور الذي يستطيعه كحل بديل ومؤقت عن «مأسسة الثورة» في إطار واحد.
ولا شك أن المستقلين الأحرار كانوا هم الأفضل أداء والأجدر بتحمل أعباء العمل الثوري.. مع الإقرار بحسن الأداء لبعض منتسبي الأحزاب، ولبعض «البطولات الفردية» لكن عددهم قليل..
وبذلك يمكننا التمييز ثلاث شخصيات: • شخصية فردية جعلت من الثورة ثروة ونزوة وشهرة.. • وشخصية حزبية استغلت الثورة لتحويل تضحيات الناس إلى مكتسبات حزبية.. • وشخصية مستقلَّة حرة انخرطت في الثورة لتحقيق أهداف الشعب وصيانة مصلحة الوطن.   

عبد الناصر أبو المجد ....24/3/2020. 

ليست هناك تعليقات