عذرا أطفال سوريا
هل تضايق نظام الغدر والجريمة من أصوات
صراخهم تحت القصف بالصواريخ الفراغية والعنقودية والفوسفورية فاختار لهم أن يموتوا
بصمت؟.. وهل استكثر طاغية العصر كمية الدماء في عروق أطفال سورية حتى يرضى لهم أن
يموتوا دون نزيف؟.
لا أعتقد أن «علم النفس» قادر على تقديم
تحليل منطقي للمركّب النفساني لمجرم الحرب «بشار الأسد» قبل أن يقدم على ارتكاب
جريمة «خان شيخون»!. هل هو الطموح أم الجموح؟ هل هو الجنون أم الفتون؟ لعله عشق
الجريمة الذي وصل إلى درجة الوله والهيام برؤية الناس يتألمون ثم يموتون.
وربما تكون الرغبة المفرطة لدى المجرم بصناعة
النصر على الأطفال. فما هي مشكلة المجرم مع الأطفال إذاً؟. أهي الغيرة والحسد؟ أهو
الكيد والحقد؟ «علم النفس» يعتذر عن تحليل ظاهرة تسلط المجرم الساديّ على الطفولة
الوادعة. لأنه يقف أمام ظاهرة غير موجودة ولا معهودة على كوكب الأرض.
مشاهد الأطفال وهم يموتون تحت تأثير «كيمياء
الأسد» تفطّر القلوب حزناً وألماً، وتلهب الضمائر غضباً وحنقاً. فلو كان هؤلاء
الأطفال قططاً تختنق بهذه الطريقة لارتسم مرآها في الذاكرة أمداً طويلاً. فكيف حين
تخنق الزهور البشرية؟.
مثل هذه المشاهد رأيناها في شهر آب 2013
لكننا لم نتوقع أن نراها بعد ذلك التاريخ، بل لم نتوقع أن يبقى الأسد نفسه متربعاً
على عرش الملحمة، مشرفاً على مرجل المذبحة، وقد أوغلت يداه بالدماء البريئة.
تلقى «بشار الأسد» رسائل تحذيرية من جهات
حقوقية متعددة تحذره من أن سجلّه الإجرامي بات مهولاً، وأنه بالغ كثيراً في إراقة
الدماء. ففهم الرسالة خطأً.!. فهم أنهم يريدون قتلاً بلا دماء.
عجيب ما يحدث في وطني فقد صار فيه القتل على
الهواء مباشرة، لا تخطئه العين ولا تغالطه الأذن، وكأن العالم يشاهد أحد «أفلام
الرعب» التي سرعان ما تنتهي ثم يمضي المشاهدون بنوم له غطيط وإزباد وإرغاد وصوت
كأصوات المزامير المحطمة.
وأعجب من هذا أن يطالب البعض بالأدلة على
ارتكاب الأسد لمجزرة الكيماوي، وكأن الصورة المباشرة والمتحركة والملتقطة من عدة
زوايا غير كافية للاستدلال!.
ربما ينتظر هؤلاء المشككون أن يحضر أقوى
الأدلة!. وأقوى الأدلة- وفقاً لعلم الجريمة والجناية- هو اعتراف الجاني بها كما
يقول «فقهاء القانون»، ومن المستبعد أن يعترف الأسد بجريمته، لأنه مصاب بداء «النكران»
بدرجة متقدمة.
كل المشاهد في «خان شيخون» كانت مؤلمة لكن
صورة الطفل الذي يرفع كلتا يديه إلى السماء كان لها شأن آخر!. فإحدى يديه كانت
مبسوطة إلى السماء كمن يدعو خالقه، والأخرى كانت مبرومة كمن يستنكر حجم الظلم
الواقع عليه وعلى أهله. بهذا المشهد بدا الطفل وكأنه يوزّع تعابيره ما بين «سماوية
وأرضية». فإلى أهل الأرض أشارت يسراه بأن كمية الشر أكبر بكثير من كمية الخير، وأن
ثقافة الموت أقوى من ثقافة الحياة. وإلى السماء أشارت يمناه بأن «يا إلهي أنت حسبي
ورجائي حين غاب الرجاء وقلَّ النصير».
عذراً أطفال سورية «شهداء الكيماوي» فلم
تتمكن أمهاتكم من إلباسكم جميل الثياب قبل أن تقابلوا أهل السماء. ونحن بدورنا نقبل
عذركم أنكم لم تودعوا أهل الأرض قبل مغادرتها.
الكاتب والباحث الساسي: عبد الناصر ابو المجد.
ليست هناك تعليقات