آخــــــر مــا حــــــرر

مركـــزة العمـــل الثـــوري



حين تتزاحم الأحداث وتتكاثر المشكلات وتشتد التحديات لا بد من ترتيب الأولويات، والانشغال بالأهم عن المهم. وصيانة الموجود قبل البحث عن المفقود. وترشيد الطاقات ليتناسب المجهود مع المردود.
يمكن التعبير عن هذه المفاهيم بمفهوم «مركزة العمل». وباعتبار أننا في مرحلة الثورة فلا بد من العمل على «مركزة العمل الثوري».
مركزة العمل الثوري تعني تركيز الجهود لا تشتيتها، وتكثيف الطاقات لا تبديدها، وتوجيه الاهتمام باتجاه الأهداف المحددة. وقياس الأداء انطلاقاً من عاملين مهمّين: عامل الوقت وعامل الاتجاه. أي تنفيذ الخطط الطموحة في وقتها المناسب واتجاهها الملائم.
فلا يكفي أن ننجز الأعمال مجردة عن الزمن والتوقيت، فقد يفوت أوانها وتصبح بلا قيمة. فالعمل الموفق هو الذي يتم إنجازه بالسرعة القياسية. إذ أن دورة الزمن لا تنتظر المتسكعين على درب الخمول وجادّة الضياع. والأهداف السامية لا تتحقق بالأمانيّ والأحلام.
كما لا يكفي أن نعمل بجد ونشاط، وهمّة ورباط باتجاه مجانب للمكان الذي تتمركز فيه الأهداف وتتموضع فيه المصالح. عندئذ تصبح الجهود عقوبة مضنية، تتعب الأجسام بها وتعيا النفوس.
إن مركزة العمل الثوري تنسحب على كل جزئيات العمل وكليّاته. وهذه أبرز المفاهيم المطلوب مركزتها:
1.      مركزة العدو: وذلك  بحصر مفهوم العدو بالأعداء المباشرين الذين يقتلون الشعب السوري بكل أنواع الأسلحة الخبيثة والقذرة، ويرتكبون الجرائم الشائنة التي لا مثيل لها، وهذا ينطبق على العدوين الإيراني والروسي وأتباعهما, ذلك التحالف البغيض الذي لم يدخر جهداً في تدمير سورية وإحراق أهلها ومعاقبتهم على إطلاق ثورة الكرامة والتاريخ. ليس من الحكمة استحضار كل أعداء التاريخ لمواجهتهم في سورية، فسورية لا تتسع لحشر مزيد من الأعداء في إطارها الضيق. ولا يمكن أصلاً إتقان التعاطي مع العدو عندما نوسع دائرة الأعداء، لنضم إليها الصامتين والمتخاذلين والمقصرين والمستفيدين، فكل هؤلاء لا ينبغي التشاغل بهم عن العدو الحاضر في ملحمة التاريخ.
2.      مركزة الأهداف: وذلك بحصرها بهدفين رئيسين هما: تحرير سوريا من براثن الغزو الأجنبي وطغاة الحكم في سورية، وإزالة مخلفات الطغاة والغزاة، ثم العمل على بناء الدولة المدنية العصرية القوية بأيدي أبنائها الأوفياء المخلصين. إن حصر الأهداف بهاذين الهدفين من شأنه توضيح جدول أعمال العمل الثوري، فتزاحم الأهداف يضر بالثورة، وبعض الأهداف يلغي بعضها الآخر، لنخرج في النتيجة دون أن نحقق أياً منها.
  1. مركزة القضية: بحيث لا نحمّل خطابنا الثوري وخططنا قضايا متعددة، وخاصة تلك التي تؤثر على القضية السورية المتمركزة تحديداً بمواجهة النظام وحلفائه. فهناك قضايا كانت تشغل الشارع السوري قبل اندلاع ثورة الكرامة، لكنها تبدو اليوم ضرباً من التسلية والتهريج أمام القضية الجلل، المكتملة الأركان والأبعاد، وهي قضية شعب واقع تحت ظلم الطغاة وبغي الغزاة.
  2. مركزة المشكلة: كثيرة هي المشكلات التي تعاني منها الثورة السورية ويقاسي منها الشعب الثائر، فلو حاولنا إحصاء العوامل الموضوعية التي أدت إلى تأخر الحسم الثوري لشقّ علينا ذلك لكثرتها وتشابكها، لكن مبدأ المركزة يجعل من الأمر أكثر سهولة بحيث تنصب الجهود باتجاه المشكلة الأساسية، وتتحشد الطاقات لحلها. ويجمع غالبية النخب من المهتمين بالشأن السوري الثوري العام على أن المشكلة المركزية التي أطالت من عمر النظام تتمثل بوجود ظاهرة التطرف والإرهاب، متمثلين بتنظيم القاعدة وأخواتها في المشهد السوري. وبالمتابعة المعمّقة لهذه الظاهرة لا نجد صعوبة في استنتاج أنها ظاهرة مفتعلة وليست أصيلة في الشعب السوري. افتعلتها أجهزة المخابرات المعادية لهذا الشعب، لزجّه في مواجهة دولية، ولصرف الانتباه الدوليّ عن إرهاب النظام وحلفائه، وإدارة الأزمة السورية على أساس أن الأولوية لمحاربة الإرهاب لا لإسقاط النظام.
  3. مركزة الحل: جربت القوى الثورية كثيراً من الحلول المتدرجة ما بين السيء والأسوأ والحسن والمقبول فمنهم من التمس الحل عند العدو الإيراني أو الروسي بتبريرات واهية، ومنهم من بحث عن الحل في محور ما سمي بالأصدقاء لكنه كان فاقداً لمفاتيح التعاطي معهم، لأنه غالباً ما كان يتواصل مع ذاك المحور لطلب الدعم الشخصي أو الحزبي وفي أحسن الأحوال الإغاثي.. ومنهم من بحث عن الحل لدى إسرائيل وحيداً وهو يعتقد أنه سيفاجئ الشعب السوري بالحل السحري. ومنهم من التمس الحل في السلاح وحده، فدخل عقله في «سبطانة البندقية» ولم يخرج منها. ومنهم من لا يرى حلاً إلا بانتظار تفاعلات «الحل السياسي» الدولي، منتظراً الإشارة ليحج إلى عواصم الحل..
لكن الحل المركزي- فيما أراه- يكمن في إدارة قضيتنا السوري على أساس حقوقي، مستخدمين كل أدوات الحرب الناعمة.. وهذا الطرح هو الوحيد الذي يمكننا من خوض الصراع بـ «صفر من الأخطاء» و «مئة من الحق» ويمكننا من محاصرة الأعداء وإحراج الأطراف الدولية كلها.    
سوف نحصل على نتائج مذهلة فيما لو عملنا على مركزة العمل الثوري، وتعاملنا مع «العدو الممركز» و«الهدف الممركز» و«الخطاب الممركز» و«العائق الممركز». و«الحل الممركز».. لأننا بذلك سنوفر كثيراً من الطاقات، وندَّخرها لعظائم الأمور، ولمواجهة الاستحقاقات الحاضرة .

        الكاتب والباحث السياسي : عبد الناصر الحسين.. 4/8/2015

ليست هناك تعليقات