آخــــــر مــا حــــــرر

قواعد أساسية في تقنيات السياسة



لا يمكن اختزال مفهوم السياسة بأنه «فن المراوغة والخداع»، فالسياسة علم وفن واحتراف، قائم على قواعد علمية، تتضمن تقديم قراءة دقيقة وصحيحة للواقع، يتبعها حلول موضوعية لتحسينه أو تصليحه أو تغييره، جزئياً أو كلياً للوصول إلى أفضل النتائج وأقل الخسائر.

السياسة الحقة تبدأ من الذات والمركز، فليس جديراً بالسياسة من لم يبدأ بتدعيم الذات.. والمقصود بالذات هنا هو «قضيتنا نحن»..

لا بد- ابتداء- من معرفة الذات معرفة تامة وواضحة، لأن بناء القوة يبدأ من الذات وتصحيح المسار يبدأ من الذات، وتحقيق المصالح يبدأ من الذات، وكذلك تحمل المسؤولية.

وحتى لا نبتعد كثيراً عن «مفهوم السياسة» لا بد من التأكيد على عدة مفاهيم أهمها:

أولاً- التأسيس القوي المتين، فنقاط القوة في التأسيس سيكون لها أثر بالغ لاحقاً، كما أن الثقوب الصغيرة في مرحلة التأسيس ستصبح فجوات واسعة أثناء المسير.. ويجب أن ترتكز مرحلة التأسيس على قواعد راسخة تتضمن رؤية واضحة ومبادئ ثابتة. تشكل مرجعية في العمل وبوصلة في الطريق.. عند البحث عن العوائق ينبغي البدء بالعوائق الداخلية.. وعند البحث عن الحلول يجب البدء بتحصين الجبهة الداخلية. والحفاظ على المكتسبات المحققة، والاجتهاد في تسجيل نقاط جديدة وعند الحديث عن المصالح يتحتم العمل على تحقيق المصلحة الذاتية، في المقدمة، وتوظيف كل الطاقات والموارد لخدمة المصالح، كما يجب الحرص على صيانة الجهد والوقت، بوصفهما «رأسمال العمل».

ثانياً- التخطيط الدقيق وهو مطلوب لكل خطوة أو مرحلة وذلك بوضع الخطط القصيرة والمتوسطة وطويلة الأمد، والخطط البعيدة هي نفسها «خارطة الطريق» التي تتأسس على الرؤية المعتمدة ولا تتعارض معها. ويجب دراستها بدقة قبل البدء بتنفيذها واعتماد آليات مراقبة ومتابعة ومراجعة بشكل دوري، واعتماد نظام متطور للمحاسبة وتقييم الأداء. وهذا يتضمن رصد الإمكانات ومواطن القوة لتعزيزها، ومواطن الضعف لتلافيها، وذلك بهدف التصدي لأهداف على مقاس الإمكانات الحاضرة، أو الإمكانات الجاري تحضيرها، فعلى الدرب الشائك عوائق ومتغيرات ينبغي التعامل معها خُطَطِيَّاً.

للتخطيط أهمية بالغة فالارتجال لا ينتج إلا الهزائم والفشل، ومن لا خطَّةَ له فهو جزء من خطط الآخرين.. ومن لم يخطِّط للنصر فقد خطط للهزيمة.. وحين تنعدم الخطط ستحضر المفاجآت التي يصعب التعامل معها. ومن أهم عوامل إنجاح العمل التخطيط الاستراتيجي المدروس بعناية والمتضمن برامج متعددة في السياسة والإعلام والعلاقات العامة والحقوق، ولا بد من وضع الخطط البديلة تحسباً لكل طارئ، فالعوائق والعقبات ملازمة للدرب دوماً، وتصبح العوائق شديدة الخطورة حينما تكثر وحين تصبح ظاهرة مميزة للعمل. ومن المهم وضع الحلول المناسبة لها عملا بمبدأ أن الفشل ممنوع وأن المستحيل غير وارد. فلا يوجد عقبات لا يمكن التعامل معها. حتى العقبات المستحيلة تصبح ممكنة فيما لو أزيحت العقبات الأخرى.

ثالثاً- تحديد الأهداف المرحلية والمستقبلية الجزئية والكلية الممكنة التحقق والمنبثقة عن خارطة الطريق، وذلك بشكل واضح ومحدد، والرصد الدقيق والمستمر للحركة فيما لو كانت ماضية باتجاه أهدافها أم أنها انحرفت عن مسارها، وفيما لو كانت تحرز تقدما، أم أنها تراجعت، وفيما لو كان تقدمها سريعا أو بطيئا.. حيث يمكن اعتبار الأهداف ضابطة لإيقاع العمل وقيِّمة على الأداء. فحين لا تتحقق الأهداف وفقا للمرسوم لها يجب إجراء مراجعة عاجلة لتفادي الأمر. ولا يصح التشاغل عن الأهداف المقررة بأهداف أخرى حتى لا تتشتت الجهود وتتبدد الطاقات. كما لا ينبغي تركيب هدف على هدف آخر كمحاولة تمرير أجندات أخرى تتعاض مع العمل.

إن البرامج الناجحة هي التي تتقن ترتيب الأهداف وفقاَ للأولويات وضمن جداول زمنية دقيقة، والعمل الحقيقي لا يعترف إلا بالأهداف، وبإمكان الهدَّاف الماهر أن ينتهز أي فرصة تلوح له لينجز أهدافه.

رابعاً- تحديد خارطة الحلفاء والأعداء وما بينهما من تدرجات اللون، وإدراك الحد الفاصل بينهما بدقة، والعمل على تعزيز الانقسام بينهما، واستثمار الصداقة بالحد الأعلى، والابتعاد عن مواقع الاستهداف من الأعداء، والعمل على تضييق دائرة الأعداء، والاجتهاد في توسيع دائرة الأصدقاء، وتعزيز الشراكة معهم، وبناء تحالفت مفيدة تكتيكية واستراتيجية، وتجنب العزلة، والابتعاد عن موضع العدو المشترك لجهتين أو أكثر، والحضور في موقف الصديق المشترك، والعمل على عزل العدو عن محيطه القريب والبعيد إن أمكن، وتجريده من أوراق القوة لديه، وإرباكه وتضليله والوقيعة به وعزله وتفكيكه واستنزافه وتضييق هوامشه وتجنب مكائده وإبطال ذرائعه، ونقض خياراته وتصفير فرصه.

خامساً- المعرفة التامة بخارطة مراكز القوى المؤثرة بالحالة سلبا أو إيجابا، وتصنيفها حسب شدة تأثيرها، واستثمار المفيد منها على أكمل وجه، وتجنب الضار منها وتحييده، والبحث عن «العامل المفتاحي» في كل شأن، والاجتهاد في تحقيق «المركزية الوازنة»، وصولا إلى تحقيق «قوة الجذب والردع»، و«التأثير والمناعة»، و«صناعة الوقائع»، وهنا يبرز دور السياسي القوي، فبدلاً من أن تصنع له سياسات الأمر الواقع وتفرض عليه، هو الذي يفرض نفسه كأمر واقع، ويتأتَّى هذا من خلال حيازة مصادر القوة وعوامل القوة «كالمال والعلاقات القوية والإعلام».

سادساً- البراعة في استخدام تقنيات السياسة في كل الميادين في ميدان «التفاوض والتحالف والصفقات والمبادرات والأزمات والنزاعات»، وما يلزم من تقنيات لكل موقف.. من قدرة على المناورة والمرونة والتكيف ودقة حساب الربح والخسارة، والقدرة على قلب الخسارة ربحا، وانتهاز الفرص وصناعتها، وأخذ العبر، وحسن التخطيط، والحِرَفيَّة في سياسة ملء الفراغ، واختيار «المزامنة المجدية» في الدخول والخروج والتقدم والتراجع، واستثمار المواقف، وتقدير النتائج مسبقا، وحسن الاختيار، وتقديم الأولويات، وتجنب المخاطر، والتنبؤ بالمشكلات قبل وقوعها والخروج منها إن وقعت، والانحناء للعاصفة عند اللزوم، وندرة الأخطاء، وإرسال الرسائل المباشرة وغير المباشرة، وكسب التأييد والمناصرة، وصناعة المبادرات البناءة، وابتكار الحلول الخلاقة. وتفعيل سياسة رفع السقف، والحنكة في إدارة الأزمات.

ختاماً- حين نعلم أن قضيتنا السورية شديدة التعقيد فما علينا إلا الدخول في ملعب السياسة، لأن الآخرين دخلوا وانطلقت صفارة البداية، عندما كنا متفرجين والجميع يحرزون الأهداف، وعندما نعلم أن قضيتنا أصبحت كونية لكثرة الفاعلين فيها والمنفعلين بها فما علينا إلا أن نكون كونِيِّين في التعاطي معها.

عبدالناصرأبوالمجد.

2/5/2016

ليست هناك تعليقات