آخــــــر مــا حــــــرر

مدهشات لافتة رافقت الثورة السورية المباركة

  


أمور كثيرة في الثورة السورية يراها البعض طبيعية وعادية مع أنها في منتهى الغرابة والشذوذ!. ولا ينبغي أن تؤمن بها ونتبناها بل لا يصح في الأصل أن نراها.. تلك الأمور انتشرت إلى درجة أنها صارت مألوفة وشاعت إلى حد أنها صارت معروفة.. وقلما تجد من ينكرها، مع أن وجودها يشكل عناصر الأزمة ويضر بمسيرة الثورة السورية المباركة.. ومن يراها من خارج المشهد السوري سيتعجب من وجودها ومن تخدُّر الناس بها وتعايشهم معها.

◄من تلك الأمور المستهجنة قبول البعض بروسيا كوسيط سلام تنعقد الحلول عنده.. ويلتفون حوله لتلقي الأوامر والتوجيهات ونيل الرضا والقبول، وتحصيل بعض المكاسب الرخيصة.. لقد نظر هؤلاء إلى روسيا كطرف قوي وفاعل في الحدث السوري فلهثوا وراءه يبغون مرضاته.. ولو نظروا إليها كطرف مجرم أذاق الشعب السوري ويلات القصف والدمار لعملوا على تعريته وإدانته ولتحدثوا عن ضرورة محاكمته.. كل جهة في العالم قد تصلح أن تكون حكماً في المشهد السوري لكن القاتل المجرم لا يمكن تخيل أن يكون كذلك.. بل ذهب البعض إلى توصيف الروس بأنهم قوم يريدون مصالحهم وعلينا أن نفاوضهم على ذلك!.. متجاهلين أن «من ينشد مصلحة لا يصنع مذبحة».. للوصول إلى مبتغاه.. وبالنتيجة فإن روسيا عدو مجرم محتل ظالم ولا يمكن تصوره بطريقة أخرى، ولا التعامل معه إلا بناء على ذلك.

◄ومن الأمور المستهجنة في الثورة السورية حالة التشرذم والتفكك التي طغت على الحالة الثورية وخاصة العسكرية منها، حتى صارت سمة من سمات المشهد الثوري يراها معظم الناس أمراً طبيعياً.. هو التفرق الذي بلغ ذروته مع تجاوز التحديات والمصائب كل الحدود المألوفة.. ومع أن المصائب تجمِّع الناس «كما أفادت التجارب البشرية» فما بالها لا تجمع بين المتشابهين حتى في صفوف ثورة الكرامة والتاريخ؟.. إن عدد الفصائل الثورية أكثر من أن تحصى والغريب في الأمر أن معظمها يحمل المسميات الإسلامية أو الشامية، لكنها مع ذلك لا تتوحد، وقد فشلت كل الجهود الرامية إلى ذلك.. ويا ليت تفرق الفصائل كان تبعاً للأقاليم السورية بحيث ينتشر في كل إقليم فصيل معين لا يشاركه في ذلك غيره، لكننا وجدنا أن كل الفصائل تحشر نفسها في كل مكان، ولا تتحد فيما بينها، بل تتنازع في بعض الأحيان سامحة لقوات الخصم بالتقدم.

◄ومن المدهشات السائدة في الثورة السورية أن كثيراً من أولي الشأن والتأثير في الثورة السورية يؤيدون «التنظيمات القاعدية» على الرغم من اعتداءاتها المتكررة على الناس والثورة.. ولو قتلت تلك التنظيمات الإرهابية التي صنعها النظام عدداً كبيراً من الثوار والناشطين ثم زعمت أنها قتلت من النظام لاحقاً عدداً قليلاً فإن البعض يهلل ويكبر لها وكأنها أنجزت النصر المؤزر والفتح المظفر، مع احتساب أن تلك التنظيمات الصنيعة تكفِّر من يحيِّيها وتحكم عليه بالردة ما دام مؤيداً لثورة الكرامة المباركة.

◄أما الأمور الأكثر إدهاشاً في الثورة السورية فتلك المتعلقة بالخطاب الثوري والرؤية الثورية السائدين لدى عدد كبير من المثقفين.. فلو هبط شخص من كوكب آخر وأعطى أذنه لما يتداوله كثير من المحسوبين على الإعلام الثوري ومثقفيها فسوف يشقى كل الشقاء في تحديد العدو الذي يدور معظم الحديث عنه.. بل سوف يعيا كل العياء في تحديد القضية المركزية التي تشغل القوم لأنه سيجد أعداء كثر يجري الحديث عنهم، وسيجد قضايا أخرى تحظى باهتمام النخب السورية أكثر ربما من القضية السورية ذاتها.. وكأن عدواً واحداً متمثلاً بثالوث الشر «إيران والنظام وروسيا» لا يملأ رؤوسهم.. وكأن لديهم فائضاً من الوقت والجهد يمكن أن يبذلوه في قضايا أخرى!.

تلك بعض المدهشات التي انتشرت في واقع الثورة السورية وأدبياتها وما أكثرها وما أكبرها.. وما أقل المهتمين بها.. لكن علينا الإقرار بأن اندلاع الثورة السورية بتاريخ «18/آذار/2011» هو الحدث الأكثر إدهاشاً على مر العصور.. فلم يكن أحد يتوقع أن تقوم ثورة في سوريا... فقامت أم الثورات ومعجزة الثورات.

ناصر ابو المجد 8/6/2019.     

ليست هناك تعليقات