آخــــــر مــا حــــــرر

مفارقات مؤلمة في الثورة السورية




لقد كشفت الثورة السورية عن مفارقات صارخة في شتى المناحي!. مفارقات لا تطيقها الضمائر ولا تتحملها الخواطر.. والمشكلة أنها كثيرة وكبيرة.. إلى درجة أنها أصبحت سمة مميزة للحالة السورية، بل ظاهرة يجب التوقف عندها وتحليلها بعمق، والعمل على اتخاذ العلاجات الملائمة لها وأخذ العبر منها.
§        من أهم المفارقات التي كشفت عنها أحداث الثورة السورية فشل الممسكين بقرار الثورة في اختبار «توحيد الصفوف».. بل من الدقة بمكان القول بأن كثيراً منهم مارس دور «مفرق الصفوف» طمعاً بالتكسُّب من حالة الفوضى والتمزق، وربما خدمة للنظام الذي كلفه بهذه المهمة!... ففي الوقت الذي يفترض فيه أن توحد الآلام والمحن صفوف الناس.. وتنحِّي خلافاتهم جانباً.. وجدنا أن «أكبر ملحمة في التاريخ» تفشل في التقريب بين النخب والتوليف بين الفصائل المقاتلة.
إن المحنة الواقعة على الشعب السوري كافية لأن توحِّد الصلات بين الأعداء.. لكننا وجدناها- في الثورة السورية- تفرِّق بين الأحبة والأصدقاء.. فلا يزال أهل الشر هم الأقدر على التحكم بخارطة العلاقات، توحِّد وتفرِّق كيف تشاء.
§        ومن المفارقات المؤلمة أن يتمكن النظام من تسويق روايته الكاذبة عن الشأن السوري إعلامياً، وهو صاحب الباطل المطلق.. في حين تخلَّفت المعارضة عن أداء هذا الدور إعلامياً.. مع أننا نحمل قضية واضحة الحقوقية والأهداف.
§        وثمَّة مفارقة أخرى مؤلمة تمثَّلت في فريقين متباعدين جداً في منسوب الشجاعة ومقدار البذل والعطاء!.. فقد رأينا في الثورة السورية شجاعة لا مثيل لها لدى فريق يواجه خطر النظام عن قرب، بقلوب صخرية وعزيمة حديدية.. لكننا رأينا في الضَّفَّة المقابلة فريقاً جباناً يعشعش الخوف في زوايا نفسه، ويسافر الهلع معه إلى أقاصي الدنيا.. فيلجم لسانه عن قول الحق، ويشلُّ كيانه عن أي موقف نبيل.. وربما دفعه الخوف لإظهار انحياز إلى الرئيس القاتل، حتى ولو قتل الرئيس ابنه أو دمر بيته.
§        كما وجدنا في تقلبات الثورة السورية مفارقة صارخة بين الخطاب الفضفاض الذي تبناه البعض وظهر في تحديهم للعالم بأسره متوعداً أهل الأرض بهزيمة نكراء وهو لا يملك من مقومات النصر ما يسمح له بفك أسر المعتقلين والمعتقلات بجانبه.. فقد سمعنا أصواتاً صاخبة تتحدى العالم بأسره بل وتهدد الجميع.. وكأن أصحاب هذه الأصوات يمتلكون جحافل ضخمة وجيوشاً جرارة.. مع أن السلاح الذي يستخدمونه هو من صنع أعدائهم.. لكن هناك مفارقة أخرى وهي أن الذين ينادون بمواجهة العالم لهم سجناء وعلى مقربة منهم لا يستطيعون تقديم أي شيء لهم، ومن بين هؤلاء السجناء حرائر في أيدي وحوش بشرية.. وفي جانب آخر توجد مذبحة غير مسبوقة تقع على أهلهم من الأطفال والشباب.
§        في سوريا فقط وجدنا فريقاً غير عدده كبير من المثقفين لا يهاجمون سوى الأصدقاء المفترضين للشعب السوري، والداعمين له، وكأنهم يريدون تنفير الداعمين، ليثبتوا مقولتهم بأن ثورة السوريين «ثورة يتيمة».. ويتركون الأعداء دون إشارة أحياناً.. وفي سوريا يذم الكثيرون الدعم المالي، معتبرين أنه هو الذي أساء للثورة، وليس الأيدي الخبيثة، والنفوس الدنيئة التي قبضت المال.. وفي سوريا فقط يعتبر الكثيرون أن الداعمين هم الذين فرقوا الصفوف.. وكل ذلك لتنتشر مقولة «أن الشعب السوري يخاشن الداعمين ويوادع المعادين».
§        من مفارقات المشهد السوري أن المجموعة الإيرانية تحتل سوريا وتعدُّها إحدى محافظاتها.. وهي التي تقف وراء المذبحة المؤلمة بكل تلاوينها.. وحزب الله يغزوها، ومع كل ذلك تختفي إيران من التحليل السياسي لدى كثير من نخب المعارضة وخاصة في السنوات الأولى لانخراط ايران في قمع ثورة الشعب السوري.. فالنخب عموما لا تتحدث إلا عن عدو غربي، يتسبب بكل تلك الشرور الواقعة على سوريا والمنطقة.. وكأن ألسنتهم اعتادت على «الموروث الثقافي» من العهد الأسدي البائد.
§        ومن المفارقات المؤلمة في الثورة السورية أن المعارضة- التي يفترض أن تمثل آمال الشعب الثائر وتتبنى قضيته- نجدها تستثمر في ثورة الشعب وتبني أمجادها على آلامه، وتصنع الثراء على حساب فقره وشقائه.. بل إن معظمها راغب في إطالة عمر الصراع، لتحصيل مزيد من المكاسب المنصبية والمالية.. وربما خشية محاسبة الشعب لها عندما تأتي لحظة الحساب.
§        في سوريا فقط يرفض البعض مبدأ التدخل الأجنبي مع توفر كل مبرراته.. التدخل الذي من المنتظر أن يقدم العون والنصرة للشعب المنكوب.. يرفضونه مع وجود تدخل أجنبي آخر، تطور إلى أن صار احتلالاً غاشماً، وهو التدخل الإيراني والآخر الروسي..  والغريب أن إحدى ذرائع رفض التدخل هي الخشية من أن تصبح سوريا كالعراق.. وكأن حال سوريا أهون من حال العراق بستين ضعفا.
§        في سوريا فقط بعض المعارضين تفوح منهم رائحة النظام.. يتحدثون باللغة ذاتها.. يكرهون ما يكره النظام، ويحبون ما يحب.. وكأن الذي صاغ خطاب الثورة هو النظام ذاته.
§        في سوريا.. ومع أننا تنقصنا الخبرات القيادية والإدارية إلى درجة كبيرة.. لكن الأغلبية الساحقة تتزاحم على القيادة والزعامة.. ولا يكتفي الكثيرون بإدارة ملف واحد، بل تراهم يتصدون لأكثر من ملف.. فالرجل الإغاثي تجده بارعاً في السياسة، والعسكرة، وربما تجده حاضراً في الإعلام، وفي الذهاب إلى المؤتمرات والملتقيات.
§        لكن المفارقة الأشد خطراً على ثورة الشعب السوري تتمثل بتنظيمات القاعدة التي اجتاحت المشهد الثوري واقتحمته من أوسع أبوابه، وبفعل فاعل وتدبير كائد.. ففي الوقت الذي أعلنت تلك الفصائل عن نصرتها للشعب السوري الثائر وجدناها هي التي تخذله بل وتضربه وتقمعه.. ومع معاداتهم لثورة السوريين فهم محسوبون على الثورة ، وهم الذريعة التي تتذرع بها «مجموعة الشر» الإيراروسية.
إن التوقف المتأني والفاحص لتلك المفارقات وغيرها ووصف العلاجات المناسبة لهذه الظاهرة هو أحد أهم استحقاقات العمل الثوري.


ليست هناك تعليقات