آخــــــر مــا حــــــرر

إيران العدو الأعدى والخطر الأكبر



                                                          
تعتمد سياسة إيران على صناعة الأزمات، وإشعال الحرائق،  وتستثمر في الحروب وخلق التوترات والفتن، منطلقة من إديلوجيا الغيب والتاريخ والأموات والثأر والدماء، ومن نظرية «صدام الحضارات»، بغية إعادة أمجاد فارس، وقد أعد الإيرانيون «خارطة طريق خمسينية» لأجل الهيمنة على المنطقة العربية تحت رايات الحسين وحكم ولاية الفقيه. 
ولا يغيب عن حسابات إيران أن أمريكا تعتبر الشرق الأوسط منطقة صديقة لها، وعلى البوابة تقف إسرائيل صاحبة التفوق الاستراتيجي، فعمدت إيران- من أجل تمرير مشروعها الاستراتيجي- إلى حيازة السلاح الاستراتيجي وهو «السلاح النووي»، لتحقيق توازن الرعب مع إسرائيل وأخذ إسرائيل- ذات الجغرافيا الضيقة- كرهينة أمام الغرب، وتعلم إيران أنها غير قادرة على اختراق المنطقة وهي مثقلةً بأمرين مكروهين لأهل المنطقة هما: «الفرسنة والتشيع» إلا إذا لعبت على الشعور القومي والديني معا، وذلك بأن تطأ على العباءة الإسرائيلية، فزرعت حزب الله لهذا الغرض، واحتضنت الطائفة العلوية، باحتضان نظام الأسدين الأب والابن، ليكونوا مطية لها للتمدد في المنطقة.
وعندما وصل الربيع العربي إلى معقل الأسد قررت إيران أن تضع كل ثقلها لحماية نظامه المجرم ومنع حكمه من السقوط، ولقد بنت استراتيجيتها على أمرين:
الاول: هو عدم السماح بتوسّع التظاهرات السلمية لتملأ الساحات مخافة أن تفضح المليونيات الجماهيرية بطلان شرعية الأسد المزعومة. 
الثاني: هو منع التدخل الغربي بأي ثمن، فمن شأن واحد من هذين الأمرين- إن حصل- التسبب في إسقاط نظام الأسد وإجهاض المشروع الإيراني أو تأجيله.
ولكي تحقق إيران الأمر الأول فقد أوعزت إلى صاحبها الأسد أن ينتهج سياسة الصعقة القاتلة، والصدمة المهولة، ومبدأ: «أن ما لا يتحقق بالعنف يمكن تحقيقه بمزيد من العنف»، ودعمته بالمال، والسلاح وفرق الموت، والخطط المعلبّة.
ولكي تحقق الأمر الثاني وتمنع التدخل الغربي، فإنها انتهجت نهجا معقداً، حيث أوعزت إلى صاحبها أن يطمئن الغرب و«إسرائيل» أن بقاءه في السلطة هو الضامن الأمثل لأمن إسرائيل، وعملت جاهدة مع ربيبها بشار على تخويف الغرب من تنظيم القاعدة، كما أوحت إلى صاحبها بالحديث عن «مؤامرة كونية» تحاك ضد سوريا المقاومة والممانعة، ليصور نفسه بأنه حارس لعرين العروبة، وحامي حماها.. وذلك لتكوين رأي عام عربي رافض للتدخل الغربي في سورية، كما قامت إيران بإرجاف مواقف الدول الداعمة للثورة السورية وترويعها من فكرة التدخل في الشأن السوري، وتهديدها بأوراق كثيرة تملكها، وبأنها سوف تفخخ العالم وتفجِّره إذا حصل التدخل الأجنبي لإسقاط الأسد، وستدفع تلك الدول ثمنا أكبر من ذاك الذي تجنيه من التدخل، وأكبر من ذاك الذي سيدفعه النظام.
وقامت (إيران) بحراسة ربيبها بشار في المحافل الدولية، بالاتفاق مع الحليف الاستراتيجي روسيا، بشراء الفيتو بأثمان سخية، ولقد عملت إيران إعلامياً على التهويل من نتائج التدخل الغربي مخوِّفة الناس من نهاية تشبه ما حدث في ليبيا والعراق، وعمدت إلى دسِّ عملائها في صفوف المعارضة، مهمتهم فقط تغليب الصوت الرافض لأي شكل من أشكال التدخل الخارجي. كما حرصت إيران على استيعاب مواقف بعض القيادات العربية والإسلامية والنخب المثقفة، لا سيما من دول الربيع العربي، وشرائها بالأموال الطائلة، مقابل رفضها لفكرة التدخل الخارجي مثل «نبيل العربي وعبد الباري عطوان ومحمد حسنيين هيكل»، واستفادت إيران من التركيبة الفكرية للمعارضة السورية والنخب المختلفة التي تنحصر في تيارين: تيار إسلاموي يميل إلى إيران، وتيار يساري قومي يميل إلى روسيا.
اعتمدت إيران سياسة ثابتة في الشأن السوري عنوانها الأساس هو: «بقاء بشار الأسد» في السلطة مهما كان الثمن، مستخدمة آليات همجية لتحقيق ذلك الهدف، فقدمت الدعم السخي للأسد من مال وسلاح وخطط ودعم إعلامي وسياسي، وشكلت تحالفاً طائفياً مؤدلجاً يستخدم فرق الموت والرعب والدماء، ومرتزقة المال للدفاع عن الأسد، وعملت على تعزيز التحالف مع روسيا وشراء المواقف الروسية بالمال الكثير، وعلى التقرب من الغرب ولو على حساب المشروع النووي، كما عملت على إدارة سلسلة معقدة من المؤامرات بآليات إعلامية وسياسية واستخباراتية ومافيوية، بهدف صناعة الإرهاب وضخه في المشهد السوري، ليحسب على الثورة السورية، كإرهاب «داعش» و«النصرة»، ولعبت كثيراً على المخاوف الغربية وخاصة بورقة الإرهاب، وحاولت إعادة إحياء محور المقاومة والممانعة بتحريك الجبهات مع اسرائيل بواسطة حماس، والجهاد الإسلامي، وحزب الله، بغية تأكيد انتساب الأسد إلى هذا المحور، واسترداد جزء من شرعيته في المحيط العربي على الأقل، بعد أن أسرف في قتل الشعب السوري، كما عملت إيران على دفع اللوبي الإيراني في الثورة السورية لإقلاق إسرائيل على أمنها، ورفع شعارات من قبيل: «دمشق بوابة للقدس»، وبالمقابل فقد غازلت إسرائيل بإمكانية حمايتها إيرانيا.
لكن الأخطر من ذلك كله هو مغازلة أمريكا بإبداء الاستعداد لخوض «منازلات» مع المجتمع السنِّي باستخدام لغة الإيماء السياسي، الأمر الذي جعل الأمريكان متأكدين من النوايا الشريرة لدى إيران. 
منذ بداية الثورة السورية عملت إيران على جر الثورة السورية إلى دائرة التسليح، فلم تحقق ما كانت تطمح إليه من مكاسب، فتحولت إلى الخطة التالية، باستجرار الثورة إلى دائرة التطرف والإرهاب، بمقابل شطب شرعية الجيش الحر، الذي خاض معركة التحرير ابتداء، وأرادوا بذلك إحلال تنظيم القاعدة وداعش محل الجيش الحر، واختطاف الثورة لمصلحة الإرهاب، مما يفقد الثورة شرعيتها في نظر المجموعة الدولية، ففتحوا أبواب السجون لإخراج عناصر القاعدة الجهادية ومن يصفهم إعلامهم بالتكفيريين والإرهابيين، ووضعوا بدلاً منهم نساءً وأطفالاً صغاراً، شاركوا بالمظاهرات السلمية، فتدفقت قوافل الإرهاب من كل مكان، وكلما نضب منبع الإرهاب راحوا ينقبون عن منبع آخر وطرق مبتكرة، ليس أقلها دهاء مسرحية هروب نزلاء عدة سجون في العراق وهي «التاجي- الحوت- أبو غريب- بغداد المركزي» شديدة التحصين، ومسرحية سقوط الموصل وتدمر، وأرادت إيران من خلال ذلك المخطط استرداد شرعية الأسد بانضمامه لتحالف الحرب على داعش، والإيحاء إلى العالم بأن الأسد يخوض حرباً شعواء ضد الإرهابيين ويدافع عن العالم كله بهذه الحرب.
الكاتب والباحث الساسي: عبد الناصر الحسين. 


هناك تعليق واحد: