مزايا الثورة السورية المباركة
تميزت ثورة الحرية والكرامة في سورية
بعدة سمات تفردت بها عن ثورات أخرى ومن المهم تاريحياً وتوثيقياً تلمس تلك المزايا
وأهمها:
1. الانطلاقة
الإعجازية: فلم يكن يتوقع أكثر المتفائلين أن شعباً مكبّلاً بأغلال ثقيلة ومقيّداً
بقيود وازنة كان بمقدوره أن ينتفض على أطغى طغاة التاريخ.. وبجرأة لا تشبه تلك
الموجودة على كوكب الأرض.. يختلط هتافه بصوت الرصاص والقذائف في مشهد منقطع
النظير.
2. الصمود
الأسطوري: إن ما تعرضت له ثورة الكرامة السورية من عقبات وتحديات كان كفيلاً
بالإطاحة بالجبال الراسخات، حيث عاين الشعب السوري الثائر كل أدوات القمع والجريمة
التي تجاوزت حدود المعقول والمعهود، وواجهت الثورة قوى عدوانية عظمى هي «روسيا
وإيران» حتى كان أهون عدو واجهته الثورة هو نظام الأسد الأسوأ في العالم، ومع ذلك
فإن ثورة الكرامة والتاريخ أظهرت صموداً منقطع النظير عصياً عن الوصف والتفسير.
3. البراءة
من الشبهات: يحق لكل سوري حر شريف أن يفخر بثورة الكرامة بوصفها «الثورة العصماء»،
التي لم ترتكب أخطاء تشينها مما يمكن للقوانين الدولية أن تسجلها عليها.
فالشعب السوري الحر ليس مسؤولاً عن
عسكرة الثورة السلمية فقد حشره النظام القاتل في زوايا القهر والإذلال واختبره في
الاعتداء على حياته وحياة أطفاله وماله وأعراضه، ووضع شبابه من الملتحقين بالخدمة
الإلزامية أو التطوعية في موقف القاتل للشعب المتظاهر سلمياً مما اضطر الناس بعد
أشهر لحمل السلاح وفقاً لاعتراف رأس النظام نفسه.. وبالتالي فإن الثورة السورية لا
تتحمل أي مسؤولية قانونية ولا أخلاقية ولا تاريخية عن القتل والدمار في سورية.
والثورة ليست مسؤولة كذلك عن النزعة
الطائفية التي اجتاحت سورية. بل على العكس تماماً فقد كانت مبرأة من هذا الطيش
الجنوني الذي صنعه نظام الأسد ودعمه ورعاه. ففي الوقت الذي أكدت فيه خطابات الثورة
على نبذ شرور الطائفية كشعار «واحد واحد واحد.. الشعب السوري واحد» كان النظام يعد
خطاباً طائفياً جاهلياً جنونياً. لأنه يعلم أنه ليس قادراً على حماية عرشه إلا
بالمخططات القذرة.
وثورة الكرامة ليست مسؤولة عن النزعة
الإرهابية التي أقحمها نظام الأسد الإرهابي عن سابق دراسة وتخطيط في المشهد
السوري، ليحمي سلطته بالإرهاب والتطرف.. فعندما سقطت شرعيته دولياً لعب على وتر
الإرهاب باعتباره التهديد الذي يتخوف كل العالم منه.. واجتهد في إلباس الثورة
السورية العباءة السوداء، بعد أن أخرج السجناء المتشددين من «سجن صيدنايا» واعتقل
بدلاً منهم سجناء الرأي والتظاهر السملي.
كما أن الثورة العصماء لم تقم باستدعاء
التدخل الأجنبي المتمثل بروسيا وإيران والذي تولى سحق البشر والحجر، بطريقة همجية
تهدف إلى تدمير كل ما هو جميل ومقدر ومفيد في سورية، كما تهدف إلى تفتيت الوطن
أرضا وشعبا وهوية وقراراً.
إن كل ما تتهم به الثورة العصماء من
قبل خصومها هي مبرأة منه، وكله جاء بتدابير تآمرية تهدف إلى شيطنة الثورة التي
يصعب شيطنتها لأنها ظهرت للعالم بمظهر لائق متقدم، متماسكة الأعصاب، واعية الرؤية،
قبل أن تمتد إليها يد الإثم وتخلط الأوراق على العالم.
4. الثورة
الاستثنائية: تميزت ثورة الكرامة السورية عن سواها من الثورات بأنها ثورة
استثنائية بكل المقاييس.. بتحطيمها للأرقام القياسية التي سبقتها في كل شيء.. في
أعداد الشهداء والمهجّرين والمعتقلين.. وفي كمية النيران التي صبت على شعب سورية..
وعدد المتدخلين فيها ومدى وحشيتهم.. وحجم الكوارث وثقل الفواجع والآلام. وعدد
الخنساوات اللواتي قدمن فلذات أكبادهن على مذبح الحرية والكرامة. والأهم من ذلك
فقد تميزت ثورة الكرامة بشجاعة استثنائية للشعب السوري مصحوبة بالصبر والصمود وصدق
الإيمان.
5. الثورة
الفاصلة: إن مرحلة ما بعد الثورة السورية لا تشبه ما قبلها.. فكل شيء قد تغير بفعل
الثورة الحدث.. حتى أمكن تسميتها بـ«أم الثورات» التي أحدثت تغييراً جذرياً في
رؤية الحياة ومنظومة القيم.. فبينما كان مطلوباً من المرء أن يتمسح بأعتاب الطغاة
لنيل الشرف صار للشرف مصدر معاكس تماماً.. يتمثل بتحطيم أصنام الطغاة، ولئن كان
للثورة- يوم مولدها- بعض المبررات لاندلاعها فلديها اليوم آلاف المبررات
لاستمرارها.
6. الفاعلية
والتأثير: فقد أسهمت ثورة الكرامة والتاريخ في إحداث تغيير في الخارطة الجيوسياسية
على مستوى العالم.. فتغيرت دلالات الاصطفاف السياسي.. وظهرت ملامح معسكرات جديدة
كالمعسكر الطائفي بزعامة إيران الذي كان متخفياً بشعارات زائفة.
7. ثورة
المفارقات: لقد كشفت الثورة السورية عن مفارقات صارخة في شتى المناحي مفارقات لا
تطيقها الضمائر ولا تتحملها الخواطر.. والمشكلة أنها كثيرة وكبيرة.. إلى درجة أنها
أصبحت سمة مميزة للحالة السورية بل ظاهرة يجب التوقف عندها وتحليلها بعمق والعمل
على اتخاذ العلاجات الملائمة لها وأخذ العبر منها.. ومن المفارقات المؤلمة أن
يتمكن النظام من تسويق روايته عن الشأن السوري إعلامياً وهو صاحب الباطل المطلق..
في حين تخلفت المعارضة عن أداء دورها إعلامياً. وفي الوقت الذي يفترض فيه أن توحد
الآلام والمحن صفوف الناس وتنحّي خلافاتهم جانباً وجدنا أن أكبر ملحمة في التاريخ
تفشل في إحداث تقريب بين النخب وتوحيد بين الفصائل.
ومن المفارقات أيضاً أننا رأينا في
سوريا شجاعة لا مثيل لها لدى فريق يواجه خطر النظام عن قرب بقلوب صخرية وعزيمة
حديدية.. لكننا رأينا في الضفّة المقابلة فريقاً جباناً يعشعش الخوف في زوايا نفسه
ويسافر الهلع معه إلى أقاصي الدنيا.. فيلجم لسانه عن قول الحق ويشلّ حركته عن أي
موقف سؤددي نبيل.
وكما تقدم الشعب السوري على النخب في
الحراك الثوري فإن الشعب تفوق أيضاً على النخب في درجة الوعي ونوعيته.. وذلك مرده
إلى أن النخب تقرأ من كتب عتيقة تتحدث عن أعداء وأصدقاء تقليديين.. بينما قرأ
الشعب من الواقع الذي يتحدث عن عدو حاضر يحمل سكينا يقطر دماء. في سوريا فقط أناس
يقدمون كل شيء وآخرون يسطون على كل شيء.. وكأن على سورية الثورة أن تنقسم إلى
فريقين: فريق يحضر عند المغنم.. وآخر حاضر في المغرم. في سوريا فقط وبينما كان شعب
سورية ينتظر النصرة والدعم من الآخرين، فإذا بكثير من الآخرين الذين عبروا الحدود
ليقارعوا الطاغوت يوجهون حرابهم ضد الشعب الجريح يقاتلون الشعب ويحاربون الثورة
ويعفون الطاغوت.. في سوريا فقط قامت ثورة الشعب لتغيير النظام .. فجاء من يريد
تغيير الشعب بحجة الدعوة إلى الإسلام.. وفساد المجتمع.. فانشغلوا عن مقارعة
الطاغوت بمضايقة الناس.. وكل ذلك باسم الدين.
وفي وطني سوريا مفارقة مؤلمة جداً تظهر
في الذين استضافهم الشعب في محنهم وأكرم وفادتهم.. ثم عادوا اليوم إلى سوريا لكن
بالسكاكين الحاقدة المسمومة.. يقطعون ويفرمون اللحم السوري الطيب.. ورغم الفواجع
والنكبات لا يجد الشعب السوري نصيراً له في محنته.. مع أنه ناصر الجميع في أوقات
حاجتهم إليه.
8. الثورة
الفاضحة: فقد كشفت الغطاء عن أخطر مؤامرة كانت تحاك للمنطقة بأسرها وهي مؤامرة
المقاومة والممانعة، متمثلة بمحور تقوده إيران كان يخطط للتمدد في المنطقة
والعربية والإسلامية وبسط كامل نفوذه عليها وإجراء عملية تغيير هوياتيي قومياً
ودينياً تحت شعار مقاومة إسرائيل وتحرير المقدسات.. ولم تكتف الثورة بكشف خطورة
المشروع الإيراني بل إنها أوقفته وأفقدته كثيراً من أنصاره ومؤيديه، وخسّرته
جهوداً جبّارة وأموالاً طائلة، وهنا يكمن السر في مضاعفة إيران لحقدها على الشعب
السوري.
ليست هناك تعليقات