آخــــــر مــا حــــــرر

لحظة انطلاقة الثورة السورية ميلاد جديد للشعب السوري


يمكن اعتبار لحظة انطلاقة الثورة السورية ميلاداً جديداً للشعب السوري الذي قدم نفسه للعالم بحلّة جديدة مختلفة عن النسخة التي أرادها نظام الخيبة والعار أن تكون. لقد كان يوم انطلاق الثورة السورية يوماً مجيداً بامتياز.. مارس الشعب السوري فيه هوايته بحب المعالي والإباء، راسماً أجمل لوحات التلاحم الجماهيري الذي أحرق قلب الطاغية غيظاً وكمداً.
حمل يوم اندلاع  الثورة السورية معنى آخر يختلف عن كل المعاني التي كانت سائدة من قبل.. فقد تزينت أجواء سورية بصرخات الحرية والكرامة وزغاريد الأمل بمستقبل مشرق لا مكان فيه لأشباه البشر. ولقد باحت سورية- في يوم عرسها الثوري- بكل أسرار المودة لأبنائها الثائرين.. لأنهم ثاروا ليخلصوها من قراصنة العصر وزنادقة التاريخ.. الذين اختطفوها لعقود طويلة.. وأخفوا حقيقتها عن العالم بأسره.
لقد أخرج الشعب السوري مخبوءاته الدفينة.. وكنوزه الثمينة من ثنايا أضلعه.. يوم ثار على شذاذ الزمان.. فاكتشف العالم أن في سورية مناجم من الذهب العتيق، وآباراً من الطاقة التي لا تنضب... ومن أجل جوهر المضامين الحقوقية التي تضمن إنسانية المواطن السوري خرج الشعب السوري في ثورته.. مطلقاُ صرخة الغضب المتفجر.. مقدماً تضحيات جليلة جعلته يزداد تمسكاً بثوابت ثورته، تلك الثوابت التي تعد إطاراُ لأي حل سياسي يفضي إلى رحيل النظام القاتل وإقامة الدولة المنشودة.
معلوم للجميع أن الثورة السورية لم يحركها نخب ثقافية ولا أحزاب سياسية.. وللتاريخ نقول: إن الشعب السوري كان متقدماً على النخب في صناعة الثورة وفي تثبيت كل النقاط المشرقة في طريق الحرية.. بينما جاءت الأخطاء القاتلة من النخب التي تغرف من التاريخ أومن الجرائد البائسة المعزولة عن الواقع.
تزاحمت الأحداث في سورية.. لكثرة المتدخلين في جغرافياها الضيقة.. ففي كل لحظة حدث.. حدث كبير وليس من النوع الاعتيادي.. ففي سورية يتنافس أعداء همجيون على مزيد من القتل الطائفي والإرهابي على حد سواء.. استدعاهم التافه الرخيص والوريث القاصر بشار الأسد بائع سوريا.
أسوأ نظام في العالم هو نظام بشار الأسد.. ومع ذلك فهو أهون عدو واجهته ثورة الشعب السوري الذي هزمته الثورة في أقل من عام من عمر الحراك الثوري.. فيا لها من مفارقة كبرى.
الثورة السورية هي أم الثورات بالنظر للشعب الثائر. لكنها لم تكن محظوظة  بالنخبة المعارضة. فالشعب السوري استثنائي في صموده. والمعارضة السورية استثنائية بتخاذلها. وعند التقييم المنصف لثورة السوريين سوف ننظر إلى صمود الشعب السوري وتضحياته. لا إلى المعارضة التي سرقت الثورة المباركة.
سنوات مضت والعدو يضغط على الشعب السوري المحاصر ليكشف ظهر القادة العسكريين والشعب يرفض. وما إن دعيت القادات لتوقيع صفقات الخيانة والغدر حتى هرع بعضهم إلى قصعات المذلة والهوان.. وكأنهم مزروعون لهذه المهمة منذ زمن بعيد.. ولم يكتفوا بكشف ظهر الشعب الذي حماهم بل كشفوا اكثر من ذلك.
من ثوابت الثورة السورية حماية الوحدة الوطنية.. ووحدة القرار الوطني واستقلاله.. وعدم السماح بتقسيم أرض الوطن إلى كانتونات طائفية أو قومية أو عرقية.. تحت أي ظرف من الظروف. ومن ثوابت الثورة السورية التي لا نتنازل عنها حماية مكتسبات الثورة السورية.. والاعتزاز بتضحيات الشعب الثائر.. وبتاريخ الثورة باعتباره مناسبة وطنية سنوية، وبداية لعصور الكرامة الإنسانية.. وعلم الثورة بألوانه الثلاثة باعتباره الراية الوطنية النظيفة والبعيدة عن المؤامرات المعادية، وبطلائع الجيش الحر بوصفه من أهم نواتج الحدث التاريخي.
الثورة السورية ثورة شعبية عفوية.. لم يحركها حزب سياسي ولا مؤسسة دينية ولا نخب ثقافية.. شارك فيها مختلف أطياف المجتمع السوري بنسب متفاوتة وأشكال مختلفة.. عبّر الشعب فيها عن غضب تراكم لعقود طويلة.. لم يعد بعده بالإمكان السكوت على واقع الذل والهوان الذي كرّسه حكم الأسد.

ليست هناك تعليقات