آخــــــر مــا حــــــرر

حين يخرج المولود إلى الحياة لا يمكن إعادته


  صحيح أن شرارة الثورة التي انطلقت من أرض «حوران» تتعلق بفتية صغار كتبوا على جدار المدرسة «جاييك الدور يا دكتور».. لكنها لو لم تندلع بهذه الشرارة لاندلعت بفعل شرارة أخرى، وفي مكان آخر في سورية فكل المواقع السورية تجثم على براكين تعتصر غضباً واحتقاناً من ظلم النظام وبغيه وفجوره.
  على أية حال ومهما تكن المبررات لقيام الثورة السورية فإن الثورة خرجت من رحم الواقع المهين.. وحين يخرج المولود إلى الحياة لا يمكن إعادته، فالمهم أنه ولد.. بمعنى أنه أثبت أن سورية ليست عقيمة ويمكن أن تلد كل يوم أجيالاً من البطولة والعطاء، ولئن كان للثورة- يوم مولدها- بعض المبررات لاندلاعها فلديها اليوم آلاف المبررات لاستمرارها.
  أهم ثابت من ثوابت الثورة ولا يمكن المساومة عليه هو إسقاط نظام الأسد بشكل كامل.. والإطاحة بالمنظومة الأمنية التي أطبقت على الشعب السوري بأثقال من القمع والإذلال.. فلا يمكن أن يرضى الشعب الثائر بماضي المهانة الغابر.. لا يمكن أن يقبل الشعب السوري الثائر بأي حل يفضي إلى إعادة إنتاج النظام، فالنظام الفاقد للشرعية قبل ثورة الكرامة لا يمكن أن يسترد أي شكل من أشكال الشرعية بعد هذا الكم المروّع من الجرائم.
  إن نظاماً ارتكب كل هذا الكم من الإجرام قليل عليه أن يكون محتجزاُ وراء قضبان المحاكم الدولية أو المحلية، ولا يصح أصلاً ضمان خروج آمن له دون عقاب، فضلاً عن الحديث عن إشراكه في حكم سورية المستقبل.
  كانوا يطلقون عليه وصف «القائد الاستثناء» و«الرجل الضرورة » ليكتشف العالم كله أن بشار الأسد كان استثنائيا في الإجرام والقتل.. وأنه كان غبيا أبله.. لا يفكر إلا باتجاه واحد هو سحق المعارضين وإشعال الحروب الطائفية في كل مكان.. وليكتشف العالم أن الضرورة التاريخية والإنسانية تقضي بمحاسبة رجل الضرورة على جرائمه الشائنة.
  لا يمكن اعتبار بشار الأسد زعيما قوميا عربيا.. لأنه ربيب القومية الفارسية الحاقدة على كل ما هو عربي.. ولا يمكن اعتباره رجلا وطنيا فهو الذي دمر الوطن ثم عرضه للبيع في المزاد العالمي ليبيعه «خردة» وعلى وضعه الراهن دون ترميم. 
  لا يخجل «الرئيس البائس» بشار الأسد وهو يتحدث عن انتصارات جيشه المهزوم.. وهو الذي يعيش معظم أوقاته تحت الأقبية.. ولا يظهر على الناس إلا للضرورة القصوى وتحت حراسة إيرانية أو روسية– حسب المناوبات– فهو المجرم المطلوب لأكثر من عشرين مليون شخصاً والمطارد من لعنات الناس وغضبهم. 
  أين المسيرات المليونية الزائفة التي كنا نراها تملأ الساحات العامة وتجوب الطرقات؟. أين الهتافات الصادحة بحياة القائد الأوحد والرمز المبجل؟. أين مفردات القداسة التي كانت تتسابق وكالات إعلام النظام على بثها وكأنها سبق صحفي؟. كلها تلاشت وهرست تحت أقدام الثائرين الأحرار. 
  يمكن وصف بشار الأسد اليوم بجلد الأفعى.. فقد ماتت الأفعى وبقي إهابها.. فالأسد انتهى من آلاف السنين وبقي جلده.. ولا يخشى جلد الأفعى إلا الجبناء الذين سكن الخوف في كيانهم واستطابوا ذل العبودية والخنوع.
  لقد حاول بشار الأسد الإيحاء بأن ما يحدث في سوريا هو حرب طائفية وليست ثورة شعبية تطالب بحقوق شرعية مع تأكيد الثوار والناشطين حرصهم على مشاركة الطائفة العلوية مع الشعب السوري ثورته كأحد مكونات سوريا، لتخليصها من مخالب الأسد الذي وضع طائفته في مواجهة الشعب السوري.




ليست هناك تعليقات