آخــــــر مــا حــــــرر

الانتصار المزعوم للمجرم المأزوم





قبل أن نصدر الأحكام المتسرعة في شأن ما آلت إليه الأوضاع في الشمال السوري، وعموم سوريا، وهل انتصر نظام الأسد الطائفي الإرهابي لا بد من محاولة تعريف النصر بشكل دقيق.. فالنصر هو سيطرة جهة على جهة أخرى، مع إعلان الأخيرة الهزيمة أو الاستسلام، وما يرافق ذلك من عمليات قتل بين الطرفين، وتقدم على الأرض.
وبهذا المعنى لا يمكن اعتبار ما يطلق عليه تحالف الشر «الإيراني- الروسي- الأسدي » انتصاراً حاسماً لقوات الأسد على الثورة السورية نصراً حقيقياً.
إن الراصد بعمق للمعركة التي شنتها قوى البغي ضد ثورة الكرامة لن يجد صعوبة في استنتاج أن هؤلاء الأعداء كانوا يستهدفون- في المقام الأول- الشعب السوري الأعزل والمؤيد للثورة السورية ضد نظام الحكم المستبد، بهدف زعزعة الثقة بين الحاضنة الشعبية للثورة وبين فصائل الثورة المختلفة، وجعل الشعب السوري الثائر يضغط باتجاه إخراج الثوار والتخلي عنهم.
وعندما فشلت جميع خطط العدو بحمل الناس على التمرد على القوى الثورية قام تحالف الشر بالهجوم المركّز والمكثف على الحاضنة الشعبية للثورة، عقاباً لها على احتضانها للمشروع الثوري ورفضها للخضوع للنظام القاتل.
فأخضعوا الشعب السوري لسياسة التقتيل والتدمير والتجويع والتهجير والـ «التعفيش»، وكل أنواع الإذلال، والاستهداف المتعمد للأطفال والنساء كأدوات ضغط على القوى الثائرة. فسقط كثير من الضحايا وصارت مناطق سيطرة الفصائل الثورية أشبه بمراكز الاعتقال الكبيرة الخالية من الحد الأدنى من مقومات الحياة.
فإن كانت هذه الطريقة في الحروب تسمى نصراً فإن تحالف الشر والظلام قد أحرز نصراً حاسماً وضرورياً لتسميتهم أقذر المنتصرين في التاريخ، وإن كان حصد مزيد من أرواح المدنيين نصراً فإن أشقياء الإرهاب العالمي قد حققوا النصر المبين.
لقد استهدف النظام وحلفاؤه الثوار وحاضنتهم الشعبية بشتى صنوف الأسلحة المحرمة دولياً، كالبراميل المتفجرة والصواريخ الارتجاجية والقنابل الفوسفورية والغازات القاتلة والنابالم الحارق، عبر سياسة «الأرض المحروقة». ولا يخفى على أحد أن هذا النوع من القتال يستوجب العقاب الدولي، فكل ذلك يندرج تحت مسمى الجرائم التي يعاقب عليها القانون والتي تصنّف عموماً بجرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية.. وبالتالي فهل يصح أن نطلق على الجرائم مسمى النصر؟. إن كان ما فعله النظام وحلفاؤه الأشرار نصراً فهم أعظم المنتصرين، لأنهم أكبر المجرمين.
كما يعلم المراقب المحايد للشأن السوري أن القوات التابعة لبشار الأسد تلقت هزيمة مبكرة من قبل فصائل الثورة، وصارت أهزوءة للإعلام المحايد لتوالي هزائمها، لا سيما وقد تكررت مشاهد الفرار الجماعي للجنود الأسديين في أكثر من مناسبة، لعجزهم عن الصمود تحت ضربات الثوار الموجعة، فاستدعى النظام المأزوم تدخلاً روسياً آثماً مقدماً لهم البلاد على طبق من ذهب، فاسحاً المجال لهم بالتدخل في كل الشؤون السياسية والعسكرية والاقتصادية، حتى بدت الأمور وكأنها لا سلطة لبشار الأسد حتى على كبار معاونيه، بل لا سلطة له على قراره هو.
فرأيناه يجلب بطائرة شحن إلى موسكو، ثم شاهدناه منذهلاً في حضرة وزير الدفاع الروسي، ومع كل تلك الإهانات فقد قبل الرئيس المذعور أن يهين نفسه في سبيل جلب نصر يتباهى به على شعبه وأمام العالم، حتى ولو كان النصر بفعل الآخر المستعمر، فهذه الأمور لا تعنيه بشيء إذ كل الذي يعنيه هو هزيمة الشعب السوري عملاً بالمثل الشعبي «القرعة بتتباهى بشعر جارتها».
وكان للأسد ما أراد حين انفلت الوحش الروسي مستهدفاً التجمعات البشرية في الأسواق والمدارس والمساجد والمشافي وحاويات الإغاثة، ليحصد أكبر عدد من الضحايا، في شهوة مجنونة للقتل، واستعراض للقوة المفرطة، فاقت كل التوقعات،  لا سيما عندما تعمّد الروسي استهداف رياض الأطفال وكأن لبوتين «مشكلة خاصة مع الأطفال».
بهذه الهمجية نجحت موسكو في السماح لقوات الأسد مدعومة بالميليشيات الطائفية بالتقدم على الأرض فيما برز بشار الأسد وفريقه التشبيحي مزهواً بهكذا انتصار، كمن «يفرح لاغتصاب والدته»، على حد تعبير رواد التواصل الاجتماعي. فإن كانت الانتصارات تصنع بهذه الطريقة فحق للرئيس البائس أن يكون أقوى المنتصرين.
لكن طرفاً من أطراف محور الإرهاب الداعم للأسد سبق وأن عرّف النصر بأنه الصمود لمدة شهر تحت الضربات الموجعة من العدو حتى ولو تسبب ذلك بتدمير ضاحيته الجنوبية التي تمثّل حاضنته الشعبية ومحل إقامته. والمؤكد هنا أن المقصود هو مدعي المقاومة والممانعة «حسن نصر الله»، حين احتفل بانتصاره على إسرائيل عام 2006 ، في مواجهة مخزية لا يصلح تسميتها بغير الهزيمة المذلة، وخاصة أنه أعلن عقبها بأنه نادم على «مزحته الثقيلة» مع إسرائيل، لكن ذلك لم يمنع الحزب من إعلان النصر المؤزر في عملية ضحك مصطنع على الشعوب والنخب.
فإن كان الصمود الشكلي الذي تباهى به حزب الله يعد نصراً تاريخياً فإن صمود الشعب السوري في نقاط عدة على المسطّح السوري ولسنوات أحياناً يمكن اعتباره النصر الصريح على مقاييس أمين حزب الله.
لكن الأهم من كل هذا هو أن الانتصار الذي أعلنه بشار الأسد وتباهى به كان متزامناً مع استهداف للطيران الإسرائيلي لمواقع قواته في محيط مطار المزة موقعاً إصابات محققة في العتاد والأرواح، وهنا يطرح السؤال: هل كان على بشار الأسد وجوقته الإعلامية المهرجة أن يفرحوا بجرائمهم ضد أبناء سوريا، أم كان عليهم أن يغضبوا للاستهداف الإسرائيلي لهم في عقر دارهم؟.
مهما يكن من أمر فإن الاحتفال حصل والفرحة حضرت في مضارب القوم الظالمين مع تلقيهم لإهانة بالغة من إسرائيل ليرسل بشار الأسد برسالة مفادها أن «ضرب الحبيب زبيب».
وهنا يمكننا أن نستفيد من تعريف جديد للنصر يقدمه نظام الأسد مفاده أن البقاء على كرسي الحكم لأطول فترة ممكنة يعد نصراً في أدبيات «القائد الرمز»، حتى لو كان واقعاً تحت الضرب المعادي ما دامت الضربات لا تسقط حكماً.
من المعيب حقاً أن ينجح الجيش العربي السوري بإحراز أول انتصار له منذ هزيمة الـ 67، على شعب أعزل طالب بالحرية والكرامة. ومن العار اعتبار ذلك نصراً لأنه كان مليئاً بالجرائم المخزية، كجرائم الإبادة الجماعية، وجرائم التطهير الطائفي والتغيير الديمغرافي، وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
ومن تمام الخزي والانحطاط أن يجلب الأسد احتلالات متعددة لينتصر بهم على شعبه ويغتصبوا أرض الوطن، وهو فرح فخور لا تغادره الضحكة البلهاء.
الباحث السياسي: عبد الناصر محمد.

ليست هناك تعليقات